بعث الله سبحانه وتعالى سيدنا يونس بن متى عليه السلام الى أهل نينوى في العراق “الموصل حاليا” وقد كانت عاصمة للدولة الآشورية ودعاهم الى دين الله وهو يقدم لهم الدليل تلو الآخر والحجة بعد الحجة فلم يطيعوه بل عصوه وكذبوا دعوته فهددهم بعذاب الله وتوعدهم به ثم خرج غاضباً من بين ظهرانيهم قبل أن يأذن الله تعالى له بالخروج فلامه الله على ذلك حيث يقول عز وجل “وإن يونس لمن المرسلين إذ أبق الى الفلك المشحون. فساهم فكان من المدحضين. فالتقمه الحوت وهو مليم. فلولا أنه كان من المسبحين. للبث في بطنه الى يوم يبعثون. فنبذناه بالعراء وهو سقيم. وأنبتنا عليه شجرة من يقطين. وأرسلناه الى مئة ألف أو يزيدون. فآمنوا فمتعناهم إلى حين”. الصافات: الآيات من 139-148.
ويقول الدكتور زغلول النجار أستاذ علوم الأرض في عدد من الجامعات العربية والغربية إن هذه الآيات تروي أن الحوت لفظ عبدالله ونبيه يونس بن متى عليه السلام، ملقياً به على السواحل وهو في حالة عظيمة من الإعياء والذهول والهزال، فأنبت الله تعالى عليه شجرة من يقطين أظلته وسترته، وربما تناول شيئا من ثمارها فعافاه الله من سقمه، وغفر له واختيار شجرة من يقطين دون غيرها من أنواع النباتات وجعلها سترا وظلا لنبي الله يونس عليه السلام بعد أن أنقذه من فم الحوت “فنبذه بالعراء وهو سقيم”، بعد أن كان قد التقمه يشير الى ما في اليقطين من فوائد علاجية وغذائية لمن كان في مثل ظروف نبي الله يونس.
وذكر ابن كثير في تفسير هذه الآيات، فنبذناه أي ألقيناه بالعراء، وقال ابن عباس رضي الله عنهما، هي الأرض التي ليس فيها نبت ولا بناء، وقيل على جانب دجلة وقيل بأرض اليمن والله أعلم، “وهو سقيم” أي ضعيف البدن، “وأنبتنا عليه شجرة من يقطين” قال ابن مسعود: كل شجرة لا ساق لها فهي من اليقطين وكل شجرة تهلك من عامها فهي من اليقطين وذكر البعض من فوائدها أنها سريعة الإنبات، كثيرة الظل لكبر ورقها ونعومته، ولا يقربها الذباب، وثمره يؤكل نيئا ومطبوخا بلبه وقشره أيضا.
واختيار الله سبحانه وتعالى للتعبير القرآني شجرة من اليقطين لحماية عبده ونبيه يونس بعد أن نبذه بالعراء وهو منهك القوى من شدة المرض، والتنكير في الإشارة الى شجرة اليقطين يفيد بأن الشجرة من جنس اليقطين الذي عرفه العرب ومنه قرع الكوسة، والحنظل وليست نوعا محددا بذاته وينتمي اليقطين الى مجموعة من النباتات العشبية الزاحفة التي تفترش الأرض فيها ما له قدرة على التسلق وتمتاز كلها بالسيقان العشبية والأوراق الكبيرة، وعائلتها تضم مئة جنس يمثل كل منها عشرة أنواع على الأقل أي تحتوي على ألف نوع، وثمارها ضخمة قد يصل وزن الواحدة منها الى اكثر من عشر كيلو جرامات ومن المقطوع به أن الشجرة التي أنبتها الله تبارك وتعالى ليظل بها عبده ونبيه يونس بن متى عليه السلام ويستره بأوراقها الكبيرة ويداويه من سقمه بما في أوراقها وزهورها وثمارها وأعضائها وسيقانها، وعصائرها من مركبات هي شجرة خاصة معجزة أنبتها ربنا بأمره الذي لا يرد إلا أن الصياغة القرآنية “شجرة من يقطين” توحي بأن المقصود هو عموم اليقطين الذي نعرفه، والذي أثبت العلم الحديث أثره الواضح في مقاومة وطرد بعض الحشرات مثل الذبابة المنزلية وآفات المخازن وفي الوقاية من الأمراض التي تنقلها هذه الحشرات، وقدرته على مقاومة الحشرات لوجود العديد من المركبات الكيميائية التي لها تأثير وقائي طبي واضح في مقاومة وعلاج العديد من الالتهابات الجلدية وتقرحاتها، وثبت أن هذه المركبات لها تأثيرات فاعلة في علاج عدد من أمراض الجهازين الهضمي والبولي، ومقاومة بعض الأمراض السرطانية، بالإضافة الى القيمة الغذائية العالية لثمارها.
وتطلق العرب كلمة اليقطين لتشمل القرع بأنواعه، وهو اسم عربي، وقال ابن القيم اليقطين المذكور في القرآن هو نبات الدباء، وقال عن فوائده، “الدباء بارد رطب سريع الانحدار، ماؤه يقطع العطش ويذهب الصداع، وملين للبطن، ولا أعجل منه نفعا للمحمومين، وبالجملة فهو من ألطف الأغذية.
وعن أنس رضي الله عنه قال “كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الدباء” ذكره السيوطي في الجامع الصغير وحسنه، وأخرجه احمد والترمذي والنسائي وابن ماجه، وعن أنس قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بمرقة فيها دباء، فرأيته يتتبع الدباء يأكلها” “رواه البخاري”.
التحليل الحيوي لثمار اليقطين
ورد في الصحيحين أن خياطا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته يتتبع الدباء من حوالي القصعة، قال فلم أزل أحبه من يومئذ”. وروي أن النبي صلى الله عليه قال لعائشة رضي الله عنها “يا عائشة إذا طبختم قدرا فأكثروا فيه الدباء فإنها تشد قلب الحزين”، وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: أكل الدباء يزيد في الدماغ والعقل”.
وأثبت التحليل الحيوي لثمار اليقطين أنها تحتوي على الماء والبروتين والدهون والألياف والمعادن والفيتامينات، وأكدت البحوث الطبية أنها ملينة للمعدة، تزيل الصداع ومهدئة للأعصاب، وأمراض النفس ومنشطة للكبد وتدر البول، وتفتت الحصى والرمل وتزيل التهابات الكلى، وتكسر العطش وتعالج آلام الأسنان واللثة، وبذوره تطرد الدودة الشريطية وتعالج العجز الجنسي والأرق والتهاب المجاري البولية.