الشيطان يهاجر من مصر ويطالب باعتذار من الحزب الوطنى!!

مقال من جريدة الجمهورية
منقول

صورة الشيطان في الموسوعة البريطانية (انسكلوبيديا بريتانكا) صورة مخلوق خرافي.. له قرنان طويلان.. وعينان ماكرتان.. و"سكسوكة " صغيرة في الذقن.. وذيل طويل ينتهي بخطاف.. ولسان يقذف لهبا.. وبطن منتفخ.. وحافر ماعز في كل قدم.لكن.. الشيطان الذي خرج من قاعة كبار الزوار في مطار القاهرة ليلة رؤية هلال رمضان كان شخصا آخر.. مختلفا تماما.كان وسيما مثل نجوم السينما.. ناعما مثل سماسرة البورصة.. أنيقا مثل رجال الأعمال.. قليل الكلام مثل نواب الحزب الوطني في مجلس الشعب.. بطيء الحركة مثل أبطال المسلسلات التليفزيونية.

علي بطاقة السفر كتب: " خروج بلا عودة ".. وعندما طلب منه ضابط الجوازات تفسيرا.. قال: " لقد تعبت من هذا البلد.. أشجع كل من هب ودب علي الرشوة واستغلال النفوذ وتسقيع الأراضي ونهب المال العام والتجارة في قوت الفقراء وقبض الأموال الحرام من جهات أجنبية مشبوهة لإثارة الفتن الطائفية علي بعض القنوات الدينية.. لكن.. لا أحد يعترف بالجميل.. لا أحد ينسب الفضل لأهله.. كل واحد تسأله عن ثروته أو جاهه أو حصانته يقول لك بالفم المليان وهو يمسك بسبحة: " هذا من فضل ربي ".. لم يعد لي عيش وسط هؤلاء البشر.. ناكري الجميل ".

كان مع الشيطان أبناؤه الخمسة بأسمائهم وتخصصاتهم المعروفة في كتب التراث الإسلامي.. " ثبر " المسئول عن المصائب وشق الجيوب ولطم الخدود.. وكان يحمل جواز سفر عضو أمانة عامة في حزب معارض.. "الأعور" المحرض علي الزني وكان يحمل جواز سفر محامي أحوال شخصية.. " مسوط " صانع الأكاذيب الموهوب في التلفيق وكان يحمل جواز سفر رئيس تحرير صحيفة حكومية.. "داسم" الموسوس للرجل بعيوب زوجته وكان يحمل جواز سفر أخصائي حل مشاكل الأسرة.. و" زكنبور " الموكل إليه تخريب ذمم التجار وكان يحمل جواز سفر متميزا.. فهو وزير في الحكومة.

في حضرة أبيهم لم يتكلم أحد منهم.. فهم مؤدبون.. مطيعون.. متراجعون.. تكفي نظرة خاطفة منه كي يغمي عليهم.. فأصول الاحترام التي تبددت بين البشر لايزال الأبالسة يحتفظون بها.. فلم نسمع عن واحد منه ذبح أمه وهي تصلي.. أو قتل أباه في الجامع.. أو سرق عمه الذي رباه.. أو اغتاب أخيه الذي ليس له سواه في الدنيا.قال الشيطان للضابط: "انظر.. هؤلاء أبنائي وسندي ورجالي.. مهامهم محددة.. زني وفاحشة وفجور وكذب وتلفيق.. ليس من بين مهامهم تجويع الفقراء.. ولا تكسير القانون.. ولا التعذيب في أقسام البوليس.. ولا تدمير ميزان العدالة.. ولا التشهير بالخصوم السياسيين.. إنهم أبرياء بالنسبة لكم.. تلاميذ في الحضانة في مواجهة أساتذة مثلكم ".

سأل ضابط الجوازت الشيطان في سعادة غامرة: " هل هي إجازة في رمضان ثم ترجع أم أنها هجرة بلا عودة؟"
أجاب الشيطان وقد بدت علي ملامحه علامات الملل والزهق: "قلت لك بوضوح إنكم لن تروا وجهي مرة أخري فلم يعد أحد في حاجة لي.. أصبحتم أشطر مني في الشر.. بل تفوقتم عليّ.. لست أنا صاحب فكرة تعيين رجال أعمال في الوزارة.. إنها فكرة لم تخطر علي بالي.. لست أنا من تاجر في قوت الشعب.. لست قاسي القلب إلي هذا الحد.. لست أنا من خرب البلد بوضع الجهلة في المناصب المهمة.. هذه سياسة أكبر من موهبتي.. وقدراتي.. وخبراتي.. ثم والمؤلم أن البشر الذين ارتكبوا كل هذه الخطايا التي لا أقدر عليها يستعيذون بالله مني.. أنا ؟.. أستغفر الله ".

بدا واضحا أن ضابط الجوازات يضيع وقتا في انتظار موافقة أمن الدولة علي السفر.. ولم يكن من الصعب أن يفهم الشيطان ذلك.. فقال للضابط: "إنني لست ممنوعا من السفر.. فلا أنا قتلت مطربة لبنانية.. ولا أنا حصلت علي قرض بلا ضمان من البنوك.. لا أنا استوليت علي شركة حكومية برخص التراب.. ولا أنا تجسست علي البلد لصالح أعدائها.. إنني صغير وبريء علي مثل هذه الأفعال.. وربما مازلت أشرب الحليب من البيبرونة بينما هناك " أساتذة " من البشر يدرسون مادة الاغتيال السياسي لطلبة الجامعات.. ويعلمونهم كيف يكون الحوار بالهراوات ".

قال ضابط الجوازات: "التعليمات هي التعليمات وأنت خير من يعلم أن جهاز أمن الدولة لا يمزح ولا يهزر.. عليك الانتظار"
لم يشأ الشيطان أن يجادل الضابط خوفا من أن يتهم بإثارة الشغب والاعتداء علي رمز من رموز السلطة فيجد نفسه معتقلا بحكم قانون الطوارئ السائد منذ نحو ثلاثين سنة..لكنه.. أراد أن يكسب ود الضابط فروي له نكتة عن رجل في الصحراء يسعي جاهدا ليضاجع جملا.. وبعد أكثر من محاولة فاشلة نجح.. وعندما هدأت اعصابه شعر بالندم قائلا: "اللهم اخذيك يا شيطان"..
فخرجت له من تحت الأرض قائلا: " أنت الشيطان.. والله ما فعلت لم يخطر علي بالي ".

ثم أضاف: " صدقني يا حضرة الضابط أنا مسكين.. كل ما فعلت أنني قدمت تفاحة طردت شخصين من الجنة.. لكنهما هبطا إلي الأرض لتعميرها.. وخلقا دنيا ما كانت لتولد لولا غوايتي.. وأرشدتهما وذريتهما إلي الشهوة والنشوة والثروة والسلطة وهي متع ما كانا يعرفانها في الفردوس السماوي ".قال الضابط متحفزا: " لكن "!قال الشيطان: " لكن.. لو كانت تفاحتي طردت شخصين فقط من مكانهما.. فإن تفاحة الحكام العرب طردت ملايين الفلسطينيين من بلادهم.. وقدمت لهم اسطوانة عليها أغان وطنية تعويضا لهم.. تفاحة الحكام العرب أشعلت الحروب الطائفية في لبنان واليمن ومصر والجزائر.. وعوضت الضحايا بإيصال أمانة يصرفونه في الآخرة..

تفاحة الحكام العرب استولت علي ثروات شعوبهم واثقلت بها حسابات البنوك السويسرية.. فتحولت من أمة ثرية فتية قوية إلي أمة ضعيفة متسولة.واستطرد: " لم يكن لي يد في سقوط الأندلس.. ولا في سقوط الخلافة الإسلامية.. ولا في سيادة النظم الفاشية.. ولا في تأخر الديمقراطية.. ولا في تزوير الانتخابات البرلمانية.. إن شيطانكم عربي مسلم مائة في المائة.. دود المش منه فيه.. ابحثوا عن بديل تحملونه فسادكم وأنانيتكم وتعصبكم.. فلم أعد احتمل أوزاركم ".

رن جرس التليفون المحمول في يد الضابط وكاد من شدة احترامه للمتكلم أن يغمي عليه.. وسمعه الشيطان يقول: " لا يا فندم.. ليس مطلوبا في جرائم جنائية.. صحيفة سوابقه خالية وبيضاء منذ خمسين سنة.. حاضر يا فندم.. ليذهب إلي الحجيم.. في ستين داهية.. عندك حق يا باشا.. لم نعد في حاجة إليه.. فعلا عجوز غلبان أصابه الخرف والضعف.. لا حول له ولا قوة.. ويخاف علي نفسه من الضرب فتنكر في ثياب بشرية ".

قال الضابط للشيطان: تفضل جوازات سفرك أنت وأولادك.. مع السلامة.. لكنني أريد أن اسألك سؤالا أخيرا: " إلي أين ستذهبون ؟ ".قال الشيطان: " سنتقاعد في جزيرة بعيدة مهجورة لا يصل إليها بشر.. لا نريد أن نري وجوهكم.. فقد أفسدتم علينا مهمتنا.. قطعتم عيشنا.. وربما نستغفر الله ونطلب منه العفو والمغفرة وسبحانه وتعالي علي كل شيء قدير ".قال الضابط: " لكن "!قال الشيطان: " لكن.. نحن نطالب باعتذار منكم عن كل الأخطاء والجرائم والعاهات التي لصقتموها بنا منذ سنوات طويلة وحتي الآن.. لقد وكلت طاقما من أبرع المحامين ليردوا عنا كل التهم الباطلة التي مسحتوها في ذقني واسترحتم.. إن من حقنا وثيقة رد اعتبار بعد أن شوهتوا سمعتنا وحملتونا نتائج هزائمكم العسكرية والخلقية والحضارية.. لماذا تبحثون عن ضحية تفرغون فيها كل اسقاطاتكم وعقدكم وانحرافاتكم النفسية ؟

"وجاءت مندوبة شركة الطيران تستعجلهم فتأملها الشيطان بعين فاحصة وغمز لها قائلا: " ما رأيك في أن تأتي معنا.. ستكونين ملكة علي جزيرة الشيطان ؟ ".. فضحكت المرأة ضحكة خليعة هزت أرجاء المطار وقالت: " أنا شفت الفيلم ده قبل كده بالأمارة بطولة عادل إمام ".