بسم الله ...
أيها الأخوة والأخوات
كان بودي أن أجئ إليكم قبل الآن، التقي بكم وبجماهير شعبنا وامتنا، لكن مشاغلي كانت كما تعلمون وكما تريدون، واثق أنكم تقدرون وتعذرون، ومهما يكن فلقد كنت أحس بكم وبشعبنا وأمتنا معي في كل رأي وكنت أحس بكم وبشعبنا وأمتنا معي في كل قرار، كنتم جميعاً معي، فيما أخذته على مسؤوليتي تعبيراً عن إرادة أمة، وتعبيراً عن مصير شعب، ثم وجدت مناسباً أن أجئ إليكم اليوم أتحدث معكم ومع جماهير شعبنا ومع شعوب أمتنا العربية وأمام عالم يهمه ما يجرى على أرضنا لأنه وثيق الصلة بأخطر قضايا الإنسانية، وهي قضية الحرب والسلام .
ذلك لأننا لا نعتبر نضالنا الوطني والقومي ظاهرة محلية أو إقليمية لأن المنطقة التي نعيش فيها بدورها الإستراتيجي والحضاري في القلب من العالم وفي الصميم من حركته، ولأن الحوادث كبيرة ولأن التطورات متلاحقة ولأن القرارات مصيرية فإنني أريد أن أدخل مباشرة فيما أريد أن أتحدث فيه معكم وسوف أركز على نقطتين: الحرب والسلام.
أولاً: الحرب
لست أظنكم تتوقعون مني أن أقف أمامكم لكي نتفاخر معاً ونتباهى بما حققناه في أحد عشر يوماً من أهم وأخطر، بل أعظم وأمجد أيام تاريخنا، وربما جاء يوم نجلس فيه معاً لا لكي نتفاخر ونتباهى، ولكن لكي نتذكر وندرس ونعلم أولادنا وأحفادنا جيلاً بعد جيل، قصة الكفاح ومشاقة، مرارة الهزيمة وآلامها، وحلاوة النصر وآماله.
نعم سوف يجئ يوم نجلس فيه لنقص ونروى ماذا فعل كل منا في موقعه ... وكيف حمل كل منا أمانته وأدى دوره، كيف خرج الأبطال من هذا الشعب وهذه الأمة في فترة حالكة ساد فيها الظلام، ليحملوا مشاعل النور وليضيئوا الطريق حتى تستطيع أمتهم أن تعبر الجسر ما بين اليأس والرجاء.
ذلك كله سوف يجئ وقته وأظنكم توافقونني على أن لدينا اليوم من المشاغل والمهام ما يستحق أن نكرس له كل وقتنا وجهدنا، وإذا جاز لي أن أتوقف قليلاً وأنا أعلم أن بكم شوقاً إلى سماع الكثير فإني أقول ما يلي:
أولاً: فيما يتعلق بنفسي فقد حاولت أن أفي بما عاهدت الله وعاهدتكم عليه قبل ثلاث سنوات بالضبط من هذا اليوم، عاهدت الله وعاهدتكم على أن قضية تحرير التراب الوطني والقومي، هي التكليف الأول الذي حملته ولاءا لشعبنا وللأمة، عاهدت الله وعاهدتكم على أني لن أدخر جهداً، ولن أتردد دون تضحية مهما كلفتني في سبيل أن تصل الأمة إلى وضع تكون فية قادرة على رفع إرادتها إلى مستوى أمانيها، ذلك أن اعتقادى دائماً كان ولا يزال أن التمني بلا إرادة نوع من أحلام اليقظة، يرفض حبي وولائي لهذا الوطن أن نقع في سرابه أو في ضبابه، عاهدت الله وعاهدتكم على أن نثبت للعالم أن نكسة سنة 1967 كانت استثناءا في تاريخنا وليست قاعدة وقد كنت في هذا أصدر عن إيمان بالتاريخ يستوعب ( سبعة الاف سنة من الحضارة ) ويستشرف آفاقاً أعلم علم اليقين نضال شعبنا وأمتنا لبلوغها والوصول إليها وتأكيد قيمها وأحلامها العظمى، ( عاهدت الله وعاهدتكم على أن جيلنا لن يسلم أعلامه إلى جيل سوف يجئ من بعده منكسة أو ذليلة، وإنما سوف نسلم أعلامنا مرتفعة هاماتها عزيزة صواريها، وقد تكون مخضبة بالدماء، ولكننا ظللنا نحتفظ برءوسنا عالية في السماء وقت أن كانت جباهنا تنزف الدم والألم والمرارة ).
عاهدت الله وعاهدتكم على أن لا أتأخر عن لحظة أجدها ملائمة، ولا أتقدم عنها، لا أغامر، ولا أتلكأ، وكانت الحسابات مضنية والمسؤولية فادحة، لكنني أدركت كما قلت لكم وللأمة مراراً وتكراراً أن ذلك قدري وأنني حملته على كتفي عاهدت الله وعاهدتكم وحاولت مخلصاً ان أفي بالوعد ملتمساً عون الله وطالباً ثقتكم وثقة الأمة وأني لأحمد الله.
ثانياً: لقد كان كل شئ منوطاً بإرادة هذه الأمة، حجم هذه الإرادة وعمق هذه الإرادة وما كنا لنستطيع شيئاً وما كان أحد ليستطيع شيئاً لو لم يكن هذا الشعب، ولو لم تكن هذه الأمة لقد كان الليل طويلاً وثقيلاً ولكن الأمة لم تفقد إيمانها أبداً بطلوع الفجر، وإني لأ قول بغير إدعاء ( أن التاريخ سوف يسجل لهذه الأمة أن نكستها لم تكن سقوطاً وإنما كانت كبوة عارضة وأن حركتها لم تكن فوراناً وإنما كانت ارتفاعاً شاهقا ) ً. لقد أعطي شعبنا جهداً غير محدود وقدم شعبنا تضحيات غير محدودة، وأظهر شعبنا وعياً غير محدود، وأهم من ذلك كله، أهم من الجهد والتضحيات والوعي، فإن الشعب احتفظ بإيمانه غير محدود، وكان ذلك هو الخط الفاصل بين النكسة وبين الهزيمة ولقد كنت أحس بذلك من أول يوم تحملت فيه مسؤوليتي وقبلت راضياً بما شاء الله أن يضعه على كاهلي، كنت أعرف أن إيمان الشعب هو القاعدة، وإذا كانت القاعدة سليمة فإن كل ما ضاع يمكن تعويضه، وكل ما تراجعنا عنه نستطيع الانطلاق إليه مرة أخرى.
وبرغم ظواهر عديدة، بعضها طبيعي وبعضها مصطنع
من تأثير حرب نفسية وجهت إلينا فقد كان سؤالي لنفسي ولغيري في كل يوم يمر : هل القاعدة سليمة؟
وكنت واثقاً أنه ليس في قدرة أية حرب نفسية مهما كانت ضراوتها أن تمس صلابة هذه القاعدة. وما دامت القاعدة بخير فإن كل شئ بخير، وغير ذلك لن يكون إلاّ زوبعة في فنجان كما يقولون.
لست أنكر أننا واجهنا مصاعب جمة، مصاعب حقيقية، مصاعب في الخدمات، مصاعب في التموين، مصاعب في الإنتاج، مصاعب في العمل السياسي أيضاً.
وكنت أعرف الحقيقة ولكنني لم أكن في موقف يسمح لي بشرحها، كنت أعرف أننا نحاول أن نجعل الحياة مقبولة للناس، وفي نفس الوقت فإن علينا أن نحتاط لما هو منتظر، وكنت واثقاً أنه سوف يجئ يوم تظهر فيه الحقيقة لغيري كما كانت ظاهرة لي. وحين تظهر الحقيقة فإن الناس سوف يعرفون وسوف يقدرون، وأحمد الله.
ثالثاً: ولقد كانت هناك إشارة واضحة إلى وجود تمزق في ضمير الأمة العربية كلها، وكنت أرى ذلك طبيعياً لأسباب اجتماعية وفكرية زادت عليها مرارة النكسة، كان هناك من يسألونني ويسألون أنفسهم، هل تستطيع الأمة أن تواجه امتحانها الرهيب وهي على هذه الحالة من التمزق في ضميرها؟
وكنت أقول أن هذا التمزق فضلاً عن أسبابه الطبيعية يعكس تناقضاً بين الواقع والأمل وليس في ذلك ما يخيف بل كنت أعتقد أنه ليس هناك شفاء لضمير الأمة ولا راحة له إلاّ عندما تواجه الأمة لحظة التحدي، ولم أكن في بعض الأوقات على استعداد للدخول في مناقشات عقيمة، هل نعالج التمزق قبل مواجهة التحدي، أو نقبل التحدي رغم وجود إشارات إلى التمزق؟ .. وكان رأيي أن الأمم لا تستطيع أن تكشف نفسها أو جوهرها إلاّ من خلال ممارسة الصراع وبمقدار ما يكون التحدي كبيراً بمقدار ما تكون يقظة الأمة واكتشافها لقدراتها كبيرة لست أنكر وجود خلافات اجتماعية وفكرية فذلك مسار حركة التاريخ، ولكنني في نفس الوقت كنت أعرف أن الأمم العظيمة عندما تواجه تحدياتها الكبرى، فإنها قادرة على أن تحدد لنفسها أولوياتها بوضوح لا يقبل الشك. كنت مؤمناً بسلامة وصلابة دعوة القومية العربية، وكنت مدركاً للتفاعلات المختلفة التي تحرك مسيرة أمة واحدة.
ولكنني كنت واثقاً أن وحدة العمل سوف تفرض نفسها على كل القوى وعلى كل الأطراف وعلى كل التيارات لأنها جميعاً سوف تعي أن هذا الظرف ليس مباراة بين الاجتهادات وإنما هو الصراع بين الفناء والبقاء لأمة بأسرها - وأحمد الله
رابعاً: ولقد كنت أعرف جوهر قواتنا المسلحة، ولم يكن حديثي عنها رجماً بالغيب ولا تكهناً، لقد خرجت من صفوف هذه القوات المسلحة وعشت بنفسي تقاليدها، وتشرفت بالخدمة في صفوفها وتحت ألويتها، أن سجل هذه القوات كان باهراً ولكن أعدائنا : الاستعمار القديم والجديد والصهيونية العالمية، ركزت ضد هذا السجل تركيزاً مخيفاً لأنها أرادت أن تشكك الأمة في درعها وفي سيفها، ولم يكن يخامرني شك في أن هذه القوات المسلحة كانت من ضحايا نكسة 67 ولم تكن أبداً من أسبابها.
كان في استطاعة هذه القوات سنة 67 أن تحارب بنفس البسالة والصلابة التي تحارب بها اليوم، لو أن قيادتها العسكرية في ذلك الوقت لم تفقد أعصابها بعد ضربة الطيران التي حذر منها عبدالناصر، أو لو أن تلك القيادة لم تصدر بعد ذلك قراراً بالانسحاب العام من سيناء بدون علم عبدالناصر أيضاً.
أن هذه القوات لم تعط الفرصة لتحارب دفاعاً عن الوطن وعن شرفه وعن ترابه. لم يهزمها عدوها ولكن أرهقتها الظروف التي لم تعطها الفرصة لتقاتل.
ولقد شاركت مع جمال عبدالناصر في عملية إعادة بناء القوات المسلحة، ثم شاءت لي الأقدار أن أتحمل مسؤولية استكمال البناء، ومسؤولية القيادة العليا لها. ( إن القوات المسلحة المصرية قامت بمعجزة على أي مقياس عسكري ) ، لقد أعطت نفسها بالكامل لواجبها، استوعبت العصر كله تدريباً وسلاحاً، بل وعلماً واقتداراً وحين أصدرت لها الأمر أن ترد على استفزاز العدو، وأن تكبح جماح غروره، فإنها أثبتت نفسها. ان هذه القوات أخذت في يدها، بعد صدور الأمر لها زمام المبادأة وحققت مفاجأة العدو، وأفقدته توازنه بحركتها السريعة.
ولست أتجاوز إذا قلت ( أن التاريخ العسكري سوف يتوقف طويلاً بالفحص والدرس) أمام عملية يوم السادس من أكتوبر سنة 73 حين تمكنت القوات المسلحة المصرية من اقتحام مانع قناة السويس الصعب، واجتياح خط بارليف المنيع وإقامة رؤوس جسور لها على الضفة الشرقية من القناة بعد أن أفقدت العدو توازنه كما قلت في ست ساعات.
لقد كانت المخاطرة كبيرة وكانت التضحيات عظيمة ولكن النتائج المحققة لمعركة هذه الساعات الست الأولى من حربنا كانت هائلة: ( فقد العدو المتغطرس توازنه إلى هذه اللحظة - استعادت الأمة الجريحة شرفها - تغيرت الخريطة السياسية للشرق الأوسط ).
وإذا كنا نقول ذلك اعتزازاً وبعض الاعتزاز إيمان فإن الواجب يقتضينا أن نسجل من هنا، وباسم هذا الشعب، وباسم هذه الأمة ثقتنا المطلقة في قواتنا المسلحة، ثقتنا في قيادتها التي خططت، وثقتنا في ضباطها وجنودها الذين نفذوا بالنار والدم، ثقتنا في إيمان هذه القوات المسلحة وثقتنا في علمها. ثقتنا في سلاح هذه القوات المسلحة وثقتنا في قدرتها على استيعاب هذا السلاح.
أقول باختصار: ( إن هذا الوطن يستطيع أن يطمئن ويأمن بعد خوف، أنه قد أصبح له درع وسيف ) - أريد من هنا أن أشد انتباه حضراتكم معي إلى الجبهة الشمالية حيث يحارب الجيش السوري العظيم معركة من أمجد معارك الأمة العربية تحت القيادة المخلصة والحازمة للأخ الرئيس حافظ الأسد.
وأريد أن أقول لإخوتنا في الجبهة الشمالية أنكم عاهدتم وكنتم الأوفياء للعهد، وصادقتم وكنتم أشرف الأصدقاء وقاتلتم وكنتم أشجع المقاتلين .. أنكم حاربتم حرب رجال وصمدتم صمود أبطال -ولم يكن في مقدورنا أن نجد رفقة سلاح أكثر مدعاة للطمأنينة والفخر من هذه الرفقة التي تشرفنا بالقتال فيها معكم، ضد عدو واحد لنا هو عدو أمتنا العربية كلها. لقد كنا معاً طلائع المعركة. تحملنا معاً ضراوتها ودفعنا معاً أفدح تكاليفها من دمائنا ومن مواردنا، ولسوف نواصل القتال ولسوف نتحدى الخطر، ولسوف نواصل مع أخوة لنا، تنادوا إلى الساحة صادقين مخلصين. سوف نواصل جميعاً دفع ضريبة العرق والدم حتى نصل إلى هدف نرضاه لأنفسنا وترضاه أمتنا لنضالها في هذه المرحلة الخطيرة من مراحله المتصلة والمستمرة.
أيها الأخوة والأخوات:
كان ذلك عن الحرب، والآن ماذا عن السلام ؟
-------أيها الأخوة والأخوات:
كان ذلك عن الحرب، والآن ماذا عن السلام ؟
عندما نتحدث عن السلام فلابد لنا أن نتذكر ولا ننسى، كما لابد لغيرنا إلاّ يتناسى حقيقة الأسباب التي من أجلها كانت حربنا . وقد تأذنون لي أن أضع بعض هذه الأسباب محددة قاطعة أمام حضراتكم:
أولاً: أننا حاربنا من أجل السلام .. حاربنا من أجل السلام الوحيد الذي يستحق وصف السلام، وهو السلام القائم على العدل، وأن عدونا يتحدث أحياناً عن السلام، ولكن شتان ما بين سلام العدوان وسلام العدل.
أن دافيد بن جوريون هو الذي صاغ لإسرائيل نظرية فرض السلام، والسلام لا يفرض، والحديث عن فرض السلام معناه التهديد بشن الحرب أو شنها فعلاً.
والخطأ الكبير الذي وقع فيه عدونا أنه تصور أن قوة الإرهاب تستطيع ضمان الأمن، ولقد ثبت عملياً اليوم وفي ميدان القتال عقم هذه النظرية، ثبت أنها إذا صلحت بضعف الآخرين في يوم، فإنها لا تصلح إذا ما استجمع هؤلاء قوتهم في كل يوم. ولست أعرف كيف كان لدافيد بن جوريون أن يفكر لو أنه كان في مركز القيادة في إسرائيل اليوم؟ هل كان في استطاعته أن يفهم طبيعة التاريخ؟ أو أنه كان سيظل كما ترى قيادة إسرائيل اليوم في موقف معاد للتاريخ؟
أن السلام لا يفرض. وسلام الأمر الواقع لا يقوم ولا يدوم. السلام بالعدل وحدة، والسلام ليس بالإرهاب مهما أمعن في الطغيان. ومهما زين له غرور القوة أو حماقة القوة.
ذلك الغرور وتلك الحماقة اللتين تمادى فيهما عدونا، ليس فقط خلال السنوات الست الأخيرة. بل خلال السنوات الخمس والعشرين، أي منذ قامت الدولة الصهيونية باغتصاب فلسطين ـ ولقد نسأل قادة إسرائيل اليوم: ( أين ذهبت نظرية الأمن الإسرائيلي ) التي حاولوا إقامتها بالعنف تارة وبالجبروت تارة أخرى، طوال خمسة وعشرين سنة؟ لقد انكسرت وتحطمت.
قوتنا العسكرية تتحدى اليوم قوتهم العسكرية، وها هم في حرب طويلة ممتدة، وهم أمام استنزاف نستطيع نحن أن نتحمله بأكثر وأوفر مما يستطيعون.
وها هم .. عمقهم معرض إذا تصورا أن في استطاعتهم تخويفنا بتهديد العمق العربي.
وربما أضيف لكي يسمعوا في إسرائيل (أننا لسنا دعاة إبادة كما يزعمون) ، ( أن صواريخنا المصرية العربية عابرة سيناء من طراز " ظافر " موجودة الآن على قواعدها، مستعدة للإنطلاق بإشارة واحدة إلى أعماق الأعماق في إسرائيل ) .
ولقد كان في وسعنا منذ الدقيقة الأولى للمعركة أن نعطي الإشارة ونصدر الأمر خصوصاً وأن الخيلاء والكبرياء الفارغة أوهمتهم بأكثر مما يقدرون على تحمل تبعاته، لكننا ندرك مسؤولية استعمال أنواع معينة من السلاح، ونرد أنفسنا بأنفسنا عنها، وأن كان عليهم أن يتذكروا ما قلته يوماً وما زلت أقوله، "العين بالعين والسن بالسن والعمق بالعمق".
ثانياً: إننا لم نحارب لكي نعتدي على أرض غيرنا وإنما حاربنا ونحارب وسوف نواصل الحرب لهدفين أثنين:
•الأول: استعادة أراضينا المحتلة بعد سنة 1967.
•الثاني: أيجاد السبيل لاستعادة واحترام الحقوق المشروعة لشعب فلسطين.
هذه هي أهدافنا من قبول مخاطر القتال ولقد قبلناها رداً على استفزازات لا تحتمل ولا تطاق ولم نكن البادئين بها وإنما كنا فيها ندافع عن أنفسنا وعن أرضنا وعن حقنا في الحرية والحياة.
أن حربنا لم تكن من أجل العدوان ولكن ضد العدوان ولم نكن في حربنا خارجين على القيم ولا القوانين التي ارتضاها مجتمع الدول لنفسه وسجلها في ميثاق الأمم المتحدة الذي كتبته الشعوب الحرة بدمائها بعد انتصارها على الفاشية والنازية، بل لعلنا أن نقول أن حربنا هي استمرار للحرب الإنسانية ضد الفاشية والنازية.
ذلك لأن الصهيونية بدعاويها العنصرية وبمنطق التوسع بالبطش ليست إلاّ تكراراً هزيلاً للفاشية والنازية يثير الازدراء ولا يثير الخوف ويبعث على الاحتقار أكثر مما يبعث على الكراهية.
أننا في حربنا كنا نتصرف وفق نص وروح ميثاق الأمم المتحدة وليس مجافاة للروح ولا للنص. وإلى جانب الميثاق نفسه فلقد كنا نتصرف تقديراً واحتراماً لقرارات المنظمة الدولية سواء على مستوى الجمعية العامة للأمم المتحدة أو على مستوى مجلس الأمن.
أيها الأخوة والأخوات
لقد شهد العالم كله لنا بالحق وأشاد بشجاعتنا دفاعاً عن هذا الحق.
أدرك العالم أننا لسنا البادئين بالعدوان ولكننا المبادرون بواجب الدفاع عن النفس.
لسنا ضد قيم وقوانين مجتمع الدول ولكننا مع قيم وقوانين مجتمع الدول, لسنا مغامري حرب وإنما نحن طلاب سلام.
أدرك العالم ذلك كله وكان يتعاطف من قبل ذلك مع قضيتنا واليوم زاد على تعاطفه معنا احترامه لتصميمنا على الدفاع عن هذه القضية ولقد كنا نطمئن بعطف العالم ونحن الآن نعتز باحترامه.
وأقول لكم بصدق وأمانة " أنني أفضل احترام العالم ولو بغير عطف على عطف العالم إذا كان بغير احترام " ، وأحمد الله.
-------
إن دولة واحدة اختفلت مع العالم كله ولم تختلف معنا فقط إنما مع العالم كله ، هذه الدولة هي الولايات المتحدة. لقد فوجئت كما تدعي بأننا حاولنا رد العدوان ولسنا نفهم كيف ولماذا فوجئت؟
هذه الدولة لم تكتف كما تقول بأنها فوجئت وإنما أفاقت من المفاجأة دون أن تعود إلى الصواب. ومن المؤسف والمحزن أن يكون هذا موقف واحدة من القوى الأعظم في هذا العصر.
لقد كنا نتوقع أو ربما نتمنى ضد الشواهد والتجارب كلها أن تـفـيق الولايات المتحدة الأمريكية من المفاجأة إلى الصواب لكن ذلك لم يحدث ورأينا الولايات المتحدة تخرج من المفاجأة إلى المناورة.
إن عرضها الأول هو وقف القتال والعودة إلى خطوط ما قبل 6 أكتوبر وكان يمكن أن نغضب من هذا المنطق المعكوس ولكننا لم نغضب لأننا نثق في أنفسنا من ناحية ومن ناحية أخرى لأننا بالفعل ... نريد أن نساهم في سلام العالم.
إن العالم يدخل في عصر من الوفاق بين القوتين الأعظم ونحن لا نعارض سياسة الوفاق، كان لنا تحفظ واحد عليها وما زال تحفظنا قائماً. " إذا كنا نريد أن يدخل العالم بعد استحالة الحرب العالمية إلى عصر من السلام فإن السلام ليس معنى مجرداً أو مطلقاً " . السلام له معنى واحد. هو أن تشعر كل شعوب الأرض أنه سلام لها وليس سلاماً مفروضاً عليها.
وأني لأقول أمام حضراتكم وعلى مسمع من العالم : نحن نريد أن تنجح وأن تتدعم سياسة الوفاق ونحن على استعداد للمساهمة في إنجاحها وتدعيمها.
ولكننا نرى وبحق أن ذلك لا يمكن أن يحدث بينما العدوان قائم ضد أمة عربية بأسرها تقع في قلب العالم إستراتيجياُ وتملك أهم ثرواته اقتصادياً.
إن أي نسيان لهذه الحقيقة البديهية ليس تجاهلاً فحسب، وإنما هو إهانة لا نرتضيها لأنفسنا ولا للعالم الذي يعرف أهمية وقيمة هذة المنطقة التي نعيش فيها وعليه أن يعرف الآن أن هذه المنطقة قادرة على أن تمنح وأن تمنع.
أيها الأخوة والأخوات
إن الولايات المتحدة بعد المناورة التي رفضنا مجرد مناقشتها خصوصاً بعد أن فتحنا طريق الحق بقوة السلاح اندفعت إلى سياسة لا نستطيع أن نسكت عليها .. لا نستطيع أن نسكت عليها أو أن تسكت عليها أمتنا العربية ... ذلك أنها أقامت جسراً سريعاً تنقل به المعونات والمساعدات العسكرية لإسرائيل.
لم يكف الولايات المتحدة أن سلاحها هو الذي مكن إسرائيل من تعطيل كل محاولات الحل السلمي لأزمة الشرق الأوسط فإذا هي الآن تتورط فيما هو أفدح وفيما هو اخطر في عواقبه بينما نحن نقاتل العدوان وبينما نحن نحاول إزاحة كابوسه عن أراضينا المحتلة إذا هي تسارع إلى العدوان تعوضه عما خسر وتزوده بما لم يكن لدية.
إن الولايات المتحدة تقيم جسراً بحرياً وجوياً تتدفق منه على إسرائيل " دبابات جديدة وطائرات جديدة ومدافع جديدة وصواريخ جديدة وإليكترونيات جديدة " ونحن نقول لهم أن هذا لن يخيفنا ولكن عليكم وعلينا قبل أن تصل الأمور إلى نقطة اللاعودة أن نفهم إلى أين وإلى متى؟ إلى أين ونحن خريطة الشرق الأوسط وليست إسرائيل؟ إلى أين ومصالحكم كلها عندنا وليست في إسرائيل؟ إلى أين وإلى متى؟
أيها الأخوة والأخوات
لقد فكرت أن أبعث إلى الرئيس ريتشارد نيكسون بخطاب أحدد فية موقفنا بوضوح ولكنني ترددت خشية إساءة التفسير ولذلك فاننى قررت أن أستعيض عن ذلك بتوجيه رسالة مفتوحة إليه من هنا، رسالة لا يمليها القول ولكن تمليها الثقة. رسالة لا تصدر عن ضعف ولكن تصدر عن رغبة حقيقية في صون السلام ودعم الوفاق. أريد أن أقول له بوضوح أن مطلبنا في الحرب معروف لا حاجة بنا لإعادة شرحه، وإذا كنتم تريدون معرفة مطلبنا في السلام فإليكم مشروعنا للسلام:
أولاً: أننا قاتلنا وسوف نقاتل لتحرير أراضينا التي أمسك بها الاحتلال الإسرائيلي سنة 1967، ولإيجاد السبيل لاستعادة واحترام الحقوق المشروعة لشعب فلسطين ونحن في هذا نقبل التزامنا بقرارات الأمم المتحدة في الجمعية العامة ومجلس الأمن.
ثانياً: أننا على استعداد لقبول وقف إطلاق النار على أساس انسحاب القوات الإسرائيلية من كل الأراضي المحتلة فوراً وتحت إشراف دولي إلى خطوط ما قبل 5 يوينه سنة 1967.
ثالثاً: أننا على استعداد فور إتمام الانسحاب من كل هذه الأراضي أن نحضر مؤتمر سلام دولي في الأمم المتحدة. سوف أحاول جهدي أن أقنع به رفاقي من القادة العرب المسؤولين مباشرة عن إدارة صراعنا مع العدو، كما أنني سوف أحاول جهدي أن أقنع به ممثلي الشعب الفلسطيني وذلك لكي يشارك معنا ومع مجتمع الدول في وضع قواعد وضوابط لسلام في المنطقة يقوم على احترام الحقوق المشروعة لكل شعوب المنطقة.
رابعاً: أننا على استعداد هذه الساعة، بل هذه الدقيقة، أن نبدأ في تطهير قناة السويس وفتحها أمام الملاحة البحرية العالمية لكي تعود إلى أداء دورها في رخاء العالم وازدهاره، ولقد أصدرت الأمر بالفعل إلى رئيس هيئة قناة السويس بالبدء في هذه العملية غداة إتمام تحرير الضفة الشرقية للقناة، وقد بدأت بالفعل مقدمات الاستعداد لهذه المهمة.
خامساً: إننا لسنا على استعداد في هذا كله لقبول وعود مبهمة أو عبارات مطاطة تقبل كل تفسير وكل تأويل وتستنزف الوقت فيما لا جدوى فيه وتعيد قضيتنا إلى جمود لم نعد نقبل به مهما كانت الأسباب لدى غيرنا أو التضحيات بالنسبة لنا، ما نريده الآن هو الوضوح، الوضوح في الغايات والوضوح في الوسائل.
أيها الأخوة والأخوات
لقد قلنا كلمتنا وأدعو الله مخلصاً أن يفهمها الجميع في إطارها الصحيح وأن يضعوها على الخط المستقيم وأن يحسنوا تقدير الأمور. إن هذه الساعات تتطلب شجاعة الرجال وعقل الرجال.
ومن جانبنا فإننا نواجه هذه الساعات بخشوع الصادقين مع الله ومع أنفسهم ومع أمتهم ومع إنسانيتهم، هذه ساعات تدور فيها معارك أكبر مما دار بالأسلحة التقليدية حتى في حروب العمالقة، هذه ساعات تتقرر فيها مصائر وتتحدد فيها علاقات سوف تفرض نفسها على المستقبل وهي تؤكد نفسها في الحاضر، هذه ساعات يتقدم فيها أبطال، وهذه ساعات يسقط ـ بل يرتفع ـ فيها شهداء، هذه ساعات حافلة بمشاعر متباينة تمتزج فيها صيحة الفرح بمشاعر عميقة أخرى، ذلك أننا كنا ولا زلنا نريد الحق ولا نريد الحرب، لكننا كنا ولا نزال نريد الحق حتى إذا فرضت علينا الحرب وحين كانت نشوة الانتصار تملا كل القلوب فإنني كنت فيما بيني وبين ربي أعرف مدى العناء الإنساني الذي ندفعه في سبيل النصر.
ولقد كنت أتتبع أنباء انتصاراتنا في خشوع لأنني أعرف الحرب، ولقد كان اعز القائلين هو الذي عملنا (كتب عليكم القتال وهو كره لكم).
أيها الأخوة والأخوات
هذه ساعات نعرف فيها أنفسنا ونعرف فيها الأصدقاء ونعرف فيها الأعداء، ولقد عرفنا أنفسنا ولقد عرفنا أصدقائنا وكانوا بأصدق واخلص ما نطلب من الأصدقاء، ولقد كنا نعرف عدونا دائما، ولسنا نريد أن نزيد فى أعدائنا – بل اننا لنوجة الكلمة بعد الكلمة، والتنبية بعد التنبية، والتحذير بعد التحذير، لكى نعطى للجميع فرصة يراجعون ولعلهم يتراجعون.
لكننا بعون اللة قادرون بعد الكلمة وبعد التنبية وبعد التحذير أن نوجة الضربة بعد الضربة، ولسوف نعرف متى وأين وكيف اذا أرادوا التصاعد بما يفعلون.
ان الأمة العربية كلها وأسمح لنفسى أن أعبر عنها، لن تنسى مواقف هذة الساعات، ان الأمة العربية لن تنسى أصدقاء هذة الساعات الذين يقفون معها، ولن تنسى أعداء هذة الساعات الذين يقفون مع عدوها - ربنا كن لنا عونا وهدى، ربنا وبارك لنا فى شعبنا وفى أمتنا -ربنا انك وعدت ووعدك الحق (ان تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم)
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته