نقلت لكم هذا الموضوع
بســم الله الـرحمــن الرحيــم
بقلم الدكتور سعادة خليل
المصدر : ديوان العرب
تنجم صعوبات تعلم القراءة عن عوامل مركبة وعديدة. بصورة عامة فالأطفال الذين يعجزون عن تعلم القراءة هم أولئك الذين يأتون إلى المدرسة بحصيلة لغوية محدودة وكذلك أولئك الذين لا تصور لديهم عن المفاهيم المتعلقة بحساسية المقاطع الصوتية ومعرفة الحروف وإدراك الصورة المطبوعة وأهداف القراءة وكذلك المهارات اللفظية العامة بما فيها المفردات. وهكذا فالأطفال الذين ينشأون في بيئة فقيرة وذوو مهارات لغوية محدودة وذوو إعاقة سمعية ونطقية وكذلك الذين يأتون من بيوت لا تشجع القراءة أو أن أحد الوالدين يعاني من عجز في القراءة فمثل هؤلاء الأطفال محكوم عليهم نسبيا بالعجز القرائي في المستقبل
وبالإضافة إلى ذلك، نفس المشكلة تواجه الأطفال الذين هم دون المتوسط في قدراتهم العقلية سوف يعانون من صعوبات تعلم القراءة وعلى الأخص في مجال الاستيعاب.
وبناء على ما تقدم، استطاع البحث العلمي حديثا أن يحدد أربعة عوامل على الأقل لإعاقة تعلم القراءة بين الأطفال بغض النظر عن المستوى الاقتصادي والاجتماعي. تتضمن هذه العوامل:
العجز الإدراكي للوحدة الصوتية
وتطور المبدأ الهجائي( وكذلك التطبيق الدقيق والسلس لمهارات قراءة النصوص)،
وعدم القدرة على اكتساب استراتيجيات الاستيعاب القرائي وتطبيقها في قراءة النصوص،
وتطور الحافز على تعلم القراءة،
وأخيرا الإعداد غير الكافي للمدرس.
أولا، عجز في إدراك الوحدة الصوتية وعدم تطور مبدأ الهجاء في الأساس يمكن ملاحظة الأطفال الذين يعانون من صعوبات تعلم القراءة بسهولة. من بين علامات هذة المشكلة هي: طريقة تحليل الرموز الصوتية (الأصوات) للكلمات غير المعروفة أو المألوفة وتكرار عدم التعرف على الكلمات المعروفة سابقا، القراءة المترددة التي تتصف ببدايات ووقفات متكررة ، وكذلك أخطاء متعددة سواء في اللفظ أو في النطق، وإذا سئل الطفل عن معنى ما قرأ أو يقرأ لا يجد جوابا لذلك. ليس لأنه غير قادر أو أنه ليس ذكيا بالقدر الكافي بل على العكس في الحقيقة ان الكثير من الأطفال الذين يعانون من صعوبة تعلم القراءة هم أذكياء ويتمتعون بدافعية قوية لتلعم القراءة في البداية على الأقل. ويتدنى استيعابهم لما يقرأون لأنه يأخذون وقتا كبيرا في قراءة الكلمات مما يستنفذ طاقتهم لتذكر ولفهم ولاستيعاب ما يقرأون.
ولسوء الحظ أنه لا يوجد طريقة ما أو لا بد من مرحلة تحليل الكلمة أو التعرف عليها في القراءة. والعجز في هذه المهارة (تحليل الكلمة) لا يمكن أن يغني عن استخدام المضمون لاستنتاج نطق الكلمات غير المألوفة أو المعروفة من قبل. إن الهدف الرئيس، في الأساس، لتعلم القراءة هو استنتاج المعنى من المادة المكتوبة. لذلك مفتاح الاستيعاب يبدأ مع القراءة السريعة والدقيقة للكلمات. وفي الواقع أن صعوبة تحليل الكلمة والتعرف عليها هي لب وجوهر صعوبة القراءة. ومن المؤكد أن بعض الأطفال الذين يستطيعون قراءة الكلمات بسرعة ودقة ويجدون صعوبة في الاستيعاب هم بلا شك قلة قليلة.
فإذا كانت القدرة على اكتساب المعني من المطبوعة تعتمد على تحليل الصوت والتعرف على الكلمة بسرعة ودقة، فما هي العوامل الي تعين على اكتساب المهارات الأساسية للقراءة؟ فكما ذكرنا آنفا، الأطفال ذوو الخبرة المحدودة في اللغة المحكية (الشفوية) والمكتوبة قبل التحاقهم بالمدرسة هم الأكثر تعرضا للعجز أو الفشل القرائي. ومع ذلك فإن العديد من الأطفال الذين يتمتعون بتجربة كبيرة في اللغة المحكية وكذلك أولئك الأطفال من هم متوسطو أو فوق المتوسط في الذكاء ويتفاعلون جيدا مع الكتاب منذ الرضاعة يظهرون صعوبات مفاجئة في تعلم القراءة، فلماذا؟
وبالمقارنة مع القارئ الكفء الذي يفهم بأن وحدات الكلام المجزأة يمكن وصلها مع الحروف ونماذجها، فإن ضعيفي القراءة ينقصهم هذا المبدأ ألا وهو مبدأ (التهجئة). الذنب هنا هو ذنب العجز في إدراك الوحدة الصوتية. وصعوبات تطوير إدراك الوحدة الصوتية ربما يعود إلى الجينات وإلى الأصول العصبية البيولوجية أو يمكن أن تعزى إلى نقص في نماذج الخبرة اللغوية واستخدامها أثناء سنوات ما قبل المدرسة. فالأطفال الذين ينقصهم الإدراك الصوتي (الوحدة الصوتية) يعانون من صعوبة في ربط الكلام وأصواته بالأحرف أي أن مهارة التحليل الصوتي للكلمة ضعيفة ومجهدة في نفس الوقت مما يؤدي إلى استحالة الاستيعاب. وهكذا فإن الهدف من القراءة ينعدم بانعدام القراءة السريعة والسلسة مما يؤثر على فهم واستيعاب ما يقرأ.
ثانيا، إدراك الوحدات الصوتية والقراءة
إن إدراك الوحدة الصوتية يلعب دورا كبيرا في تطوير المهارات الصوتية وتطوير القراءة السريعة والسلسة والتلقائية في نفس الوقت. إن كثيرا من الدراسات التي اهتمت بتطور القراءة عند الأطفال تلقي الضوء على أهمية الدور الذي يضطلع به إدراك الوحدة الصوتية. من هذه الدراسات نستنتج ما يلي:
-# إن مهارات إدراك الوحدة الصوتية التي يتم تقويمها في مرحلة ما قبل المدرسة وفي الصف الأول هي مؤشرات قوية على صعوبة تعلم القراءة.
1. إن تطور إدراك الوحدة الصوتية ضروري ولكنه غير كاف لتعلم القراءة. يجب أن يدمج الطفل المهارات الصوتية في تعلم مبادئ الصوتيات ويجب أن يمارس القراءة حتي يسهل التعرف على الكلمات بسرعة ودقة وكذلك عليه أن يتعلم كيف يستخدم استراتيجيات الاستيعاب بفاعلية أكبر لتحسين المعنى.
2. إن للجينات الأثر الكبير في تعلم القراءة. ومثل هذه المعلومة تساهم في مجهودات التدخل والعلاج من خلال دراسة وتقويم تاريخ العائلة الخاص بالقراءة.
3. إن دراسة التطور المبكر للدماغ يمكن أن تفتح نافذة على كيفية تطور القراءة.
4. إن صعوبات القراءة ليست مقصورة على البنات أو الأولاد وإنما هي تشمل الطرفين. حيث كان من المعتقد، حتى آخر خمس سنوات، أن الأولاد يعانون من صعوبة القراءة أكثر من البنات. هناك الآن فرصة متساوية لكلا الطرفين في برامج العلاج والتشخيص.
5. إن 90% إلى 95% من الذين يعانون من ضعف في القراءة يمكن أن يستفيدوا من برامج الوقاية والعلاج التي تربط تعليم الإدراك الصوتي والصوتيات وتطور القراءة السريعة والسلسة واستراتيجيات الاستيعاب القرائي التي يعدها مدرسون مدربون جيدا لزيادة مهارات القراءة بحيث تدفعها وتجعلها في مستويات المعدل العام للقراءة. وإذا تم تأخير أو تأجيل العلاج والتدخل حتى سن 9 سنوات فإن ذلك سيؤثر على أكثر من 75% من الأطفال الذين سيعانون من صعوبة تعلم القراءة في مراحل متقدمة.
ثالثا، عدم القدرة على اكتساب استراتيجيات الاستيعاب القرائي
يصادف بعض الأطفال صعوبات في تعلم القراءة لأنهم لا يحسنون استنتاج المعنى مما يقرأون. ففي الصفوف الأعلى التي تتطلب مهارات أعلى للاستيعاب بحيث تصبح هي الهم الأول في تعلم القراءة. يضع الاستيعاب القرائي مطالب هامة على استيعاب اللغة وعلى القدرات اللفظية العامة. فالمعوقات في هذا المجال ستحد من الاستيعاب. إن عدم القدرة على الاستيعاب القرائي تعود إلى:
1. فهم غير صحيح وغير دقيق للكلمات الواردة في النص.
2. عدم معرفة صحيحة ودقيقة لما يحيط بالمجالات الممثلة في النص.
3. نقص في أبنية المعاني والقواعد التي تساعد على تنبؤ العلاقة بين الكلمات.
4. نقص في معرفة الأساليب الكتابية التي تستخدم للوصول إلى الأهداف المختلفة من خلال النص: كالدعابة والشرح والتفسير والحوار ..الخ.
5. القدرة على التبرير اللفظي التي تساعد القارئ على قراءة ما بين السطور.
6. القدرة على تذكر المعلومة اللفظية.
فإذا لم يزود الأطفال بالخبرات المبكرة والمتواصلة والمصممة لتطوير المفردات ولتطوير الثقافة والقدرة على تحري واستيعاب العلاقة فيما بين المفاهيم اللفظية وكذلك القدرة على توظيف فعال لاستراتيجيات تضمن فهم المادة وتذكرها، فإن العجز والفشل القرائي سيحدث بغض النظر عن قوة مهارات التعرف على المفردات.
رابعا، تطور الحافز على تعلم القراءة والإبقاء عليه
من العوامل الرئيسة التي تساعد على أو تحد من التقدم الذي يحرزه الطفل في القراءة تعتمد كثيرا على حافز المثابرة في تعلم القراءة على الرغم من الصعوبات. لا يعرف في هذا المجال الكثير عن التوقيت الصحيح وعن مشاكل الدافعية لتطور القراءة. ولكن من الواضح أن الفشل القرائي له نتائجه المدمرة على الأطفال. ففي الصفوف الأولى الابتدائية تشكل النشاطات القرائية الجزء الرئيس من النشاطات الأكاديمية في الصف. فالأطفال الذين يعانون من صعوبة القراءة يلاحظون بسرعة من قبل زملائهم ومدرسيهم. ومع أن معظم الأطفال يدخلون المدرسة بنزعة إيجابية وبآمال وتوقعات كبيرة للنجاح إلا أنهم يواجهون صعوبات في تعلم القراءة ويحاولون تجنب القراءة في منتصف السنة الأولى من الصف الأول. ومن المعروف أن النجاح في تطور القراءة ينشأ من التمرن على القراءة.
وبصورة أوضح فكلما قل تمرن الطفل على القراءة أصبح تطور المهارات المختلفة للقراءة متواضعا. ولمواجهة هذا الانحدار وانعدام الدافعية لتعلم القراءة تصبح برامج العلاج ضرورية وهامة منذ البداية.
خامسا، الإعداد غير الكافي والمناسب للمدرسين
وكما يتضح أن صعوبات القراءة تنبع على الأكثر من صعوبات في تطور الإدراك الصوتي وفي الأصوات وفي طلاقة القراءة وسلاستها وفي استراتيجيات الاستيعاب القرائي. ومن هنا فإن الحاجة إلى تعليم راشد لملايين الأطفال الذين يعانون من صعوبة تعلم القراءة هي حاجة ملحة جدا.
ومن المؤسف أن دراسات كثيرة حول خبرة ومعرفة مدرسي القراءة تشير إلى أن الكثير منهم غير مؤهلين بطريقة صحيحة لتدريس القراءة.
ففي عالمنا العربي لا يوجد تخصصات واضحة في الجامعات، إلا ما ندر في بعضها على نطاق أكاديمي بحت، تهتم بالإعداد العملي للمدرسين لتدريس طرق وعلاج القراءة. وإن وجدت في بعض البلدان فهي في الغالب ما تكون دراسة نظرية أكاديمية بحتة ولاتمت إلى واقع المدرسة وأنظمتها ومناهجها بصلة.
إن المدرسين الذين يعلمون ذوي صعوبات التعلم يجب أن يكونوا على دراية وفهم كبيرين في كيفية تطوير مهارات القراءة العفوية لدى الأطفال. ويجب تدريبهم بطريقة صحيحة ومتكاملة على طرق التقييم والتعرف على الأطفال المحتمل أن يصادفوا صعوبات في القراءة في السنوات الأولى من دراستهم.
هناك خلط واضح في مفهوم كيف نعلم القراءة وكيف نساعد الأطفال الذين يعانون من صعوبة تعلم القراءة. لذا نجد برامج التدريب في الجامعات وكليات التربية تركز على تدريب المدرس على استراتيجيات عامة تعامل الطلاب على أنهم وحدة واحدة ولا تراعي الفروقات الفردية بين الأطفال. وبعبارة أخرى تقدم هذه البرامج وصفة واحدة أو حذاء بقياس واحد لجميع الطلاب. وهذه البرامج غير منسقة فهي إما تركز على "اللغة كاملة" كوحدة واحدة أو على "الأصوات" فقط. فبلا شك فإن هذا النوع من الإعداد العقيدي للمدرسين يبقي الطلاب ذوي العجز القرائي على ما هم عليه دون تغيير طالما لا تتوفر لهم برامج علاجية تركز على(الإدراك الصوتي وعلى الأصوات وعلى طلاقة القراءة وعلى الاستيعاب القرائي) كوحدة كاملة.
إن السؤال الحقيقي دائما هو من هم الأطفال الذين يحتاجون إلى المساعدة؟ وماذا يحتاجون؟ وكيف نساعدهم؟ وكم المدة؟ ومن هو المدرس المناسب؟ وكيف وأين يتم تدريبه؟
فالإجابة الصحيحة على مثل هذه الأسئلة قد تساهم في حل مشكلة العجز القرائي الذي يعاني منه الكثير والكثير من الصغار والكبار. فالكرة في ملعب المؤسسات التعليمية لتطوير وتغيير اتجاه ومضمون برامج التدريب وبرامج التربية الخاصة بتعليم القراءة بصورة خاصة وبرامج ومناهج التعليم بصورة عامة